رأي القرآن في أسلوب الحياة هو عنوان الحياة الطيبة. أعمال حياة طيبة لا تعد ولا تحصى؛ لأن وجود الإنسان يشتعل في فرح وسكر القرب والالتقاء بالوحدانية المقدسة، ويشرب من النبيذ الصافي لجمال الساقي الأبدي. ويصير فانيًا، وتظهر مرآة قلب المؤمن جميع الصفات الإلهية في ذاتها.
الحدس واللقاء مع الله هو أفضل ثمرة الحياة الطيبة التي يتمتع بها أولياء الله في العالم “والله”. “فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صالحا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أحداً” (كهف: 110). ومن آثار الحياة الطيبة الأخرى السعادة والسلام النفسي، وهو ما قاله القرآن الكريم في وصف أولياء الله وأهل الحياة الطيبة: ” أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ” (يونس: 62-63) وفي آية أخرى يقول: “مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ”. (مائدة: 69).
ومن نتائج الحياة الطيبة الأخرى الذكاء والرؤية الفائقة التي جعلت باطن الكون وملكوت الأرض والسماوات واضحا ومرئيا لكبار المؤمنين. وهذه القوة البديهية والبصيرة هي من نور الله الذي أشرق على قلوبهم وجعلها عميقة وواسعة، فوصلوا إلى النور الباطني من الظلمة الخارجية ووجدوا حياة أخرى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ” (حديد: 28). وفي هذه الآية أسرار كثيرة؛ لأنه يقول للمؤمنين آمنوا، وواضح أنه يقصد هنا أعلى مراتب الإيمان؛ وإلا فإن الأمر بإعادة الإيمان سيكون هباءً ولا فائدة منه، والله الحكيم لا يصدر أمراً عبثاً.
ولکن ما هي العوامل الضارة التي تعيق نمط الحياة الإسلامي في الأسرة وخلق حياة طيبة؟
ومن العوامل الضارة الدنيوية هي. الاهتمام الزائد بالأشياء المادية أحيانًا يمنع الإنسان من مساعدة أفراد الأسرة وتوفير نفقاتهم واحتياجاتهم. فكم من آباء ذوي ثروات كبيرة يرفضون مساعدة أبنائهم ولا يرغبون في توفير احتياجاتهم المادية، وكم من امرأة تكثر طلباتها وتحرج أزواجها بكثرة طلباتها وتسبهم بالألفاظ.
وقد ورد ذكر عامل العنف هذا أيضًا في بعض آيات القرآن الكريم. على سبيل المثال، في آل نبي الإسلام، كان لأزواج الرسول الكريم مطالب مادية للغاية بغض النظر عن منصب النبي الكريم، وبهذه المطالب الظالمة وغير اللائقة، أساءوا إلى النبي (ص) حتى نزلت الآية الكريمة التالية في هذا الصدد:
“يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا” (أحزاب: 28).
ایضاً وربما يمكن القول أن نسبة كبيرة من الخلافات الأسرية تكون بسبب العين الواحدة ونظرة أفراد الأسرة تجاه بعضهم البعض في الأمور المادية. والإسلام يدعو الجميع إلى الابتعاد عن الترف والإسراف.
“اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ” (حديد: 20).
إن التحرش بالزوجة من أبشع الأفعال وأفظعها، وهو من مظاهر الغضب، وهو تم منعه في الأحاديث منعاً باتاً. إن الرجل والمرأة اللذان يتزوجان من بعضهما البعض ويرغبان في العيش معًا سعیدین إلى الأبد، قد لا يظن أي منهما أن عمله قد يصل إلى حد يضرب فيه الرجل زوجته؛ ومع ذلك، فإنه يحدث في بعض الحالات. وفي النهي عن ضرب النساء، قال النبي (ص): “مَنْ ضَرَبَ اِمْرَأَةً بِغَيْرِ حَقٍّ فَأَنَا خَصْمُهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ لاَ تَضْرِبُوا نِسَاءَكُمْ فَمَنْ ضَرَبَهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَدْ عَصَى اَللَّهَ وَ رَسُولَهُ”.
إن التكبر والتفاخر بمن ينكرون الحق من أهلهم هو تهديد مذموم لله: ” وَلَٰكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ* ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ* أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَی* ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَی” (قیامه: 32-35)؛ الأشخاص المتكبرون هم أكثر عنفًا من الآخرين ويضايقون أفراد الأسرة أكثر من غيرهم.
وفي التجمعات العائلية قد يغيب الناس أو يعيبون بعضهم البعض، مما ينزع الطمأنينة عن الأسرة. وكل هذه السلوكيات محرمة بشدة في الإسلام ولها عواقب في الآخرة والدنيا. “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” (حجرات: 11).
الأسرة التي يصممها القرآن هي مدرسة ومعبد يمر أفرادها بخطوات العبودية ويصلون إلى الحياة الطيبة. فأفراد الأسرة، بالإضافة إلى تأمين حقوقهم الدنيوية مثل الأمن والسلام والتغذية والصحة السليمة والتعليم وغيرها، يبحثون أيضًا عن حقوقهم الروحية. والرجال والنساء ملزمون بتهيئة الظروف اللازمة وإزالة العوائق أمام بعضهم البعض لتحقيق هذه الحقوق.